تفسير منة المنّان ـ الجزء العاشر ـ
موقع منتديات نور الزهراء الساطع :: الفئة الأولى :: في رحاب القرآن الكريم :: تفسير منّة المنّان في الدفاع عن القرآن
صفحة 1 من اصل 1
تفسير منة المنّان ـ الجزء العاشر ـ
مِنةُ اَلمنَان في الدفاع عن القرآن
تأليف : السيد محمد الصدر
الجزء العاشر
من كتاب منة المنان في الدفاع عن القرآن
للسيد الشهيد محمد الصدر( رضوان الله عليه )
سورة الايلاف
وفي تسميتها عدة أطروحات :
الأولى : الايلاف . وهو المشهور .
الثانية : قٌرَيَْشٍ , كما في بعض المصادر .
الثالثة :السورة التي ذكر فيها الايلاف . أو التي ذكر فيها قٌرَيَْشٍ .
الرابعة : ان نسميها بما تبدأ به وهو قوله لإيلاَفِ قٌرَيَْشٍ .
الخامسة : ان نشير اليها برقمها في المصحف وهو 106 .
سؤال : ما هو متعلق لإِيلاَفِ ؟
جوابه : ان فيه عدة وجوه :
الأول : أنه فعل مقدر قبله . مثل نزلت السورة أو أقول أو يحصل . ونحوه لاجل ان يناسب أسناد الجار والمجرور .
الثاني : أنه فعل مقدر بعده , فيكون المعنى انه تحصل رحلة الشتاء والصيف لايلاف قريش .
الثالث
: ما ذكره الرازي في هامش العكبري حيث قال (1) : إنها متعلق بما بعدها ,
وهو قوله تعالى : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ.لايلافهم رحلة
الشتاء والصيف.
أقول : إلا ناه بعيد لأنه بمنزلة المعلول والأثر , فلا
يكون بمنزلة المؤثر . ويجاب : انه أثر للنعمة ومؤثر في الايلاف . وبالرغم
من بعده اللفظي, فإننا قد نقبل به . ولكن مع الانحصار بهذا الوجه .
....................
(1) ج1 , ص157.
الرابع
: إننا إنما نحن نحتاج إلى فعل يرجع إليه الحار والمجرور . مع وجوده . أما
عدمه , فلا حاجة إلى ذلك كبروياً . ولا يتوقف عليه المعنى بل هو مفهوم
بدونه .
الخامس :ما ذكره الرازي –أيضا- حيث قال إنها متعلقة بأخر السورة التي قبلها .أي جعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش .
أقول : هذا على أساس أمرين :عدم الفصل بالبسملة . وثانيهما:انهما سورة واحدة .
وهناك
من القرائن ما يدل على وحدة السورتين , مضافا إلى الروايات من الفريقين
.وروايات العامة مصرحة بترك البسملة بينهما (2) , فيكون ذلك أوضح في
الوحدة . ويدفعه :بأنه لا أشكال من وجود البسملة هنا . مع العلم أنه لا
توجد بسملة في وسط السورة إلا في سورة النمل .ووجود البسملة دال على
التعدد. وكذلك فأنه مع حصول وجوه لمتعلق الجار والمجرور , تنتفي هذه
القرينة على الوحدة أيضاً .
وأما قرائن التعدد , فمتعددة :
أولاً: وجود البسملة بين السورتين :
ثانياً ارتكاز المتشرعة .
ثالثاً: أنه لا دليل على تتابعها في النزول . بل قد يكون الأمر بالعكس .
رابعاً: أختلاف السياق اللفظي . فسورة الفيل آياتها باللام , والايلاف بالنون .
خامساً تعدد الهدف أو السياق المعنوي .
سادساً:
أن الروايات وان دلت على الوحدة , فإن هناك روايات أخرى تدل على
التعدد,ذكرها صاحب الميزان (3) , ايضاً . ولكنه يمكن القول بأن سند
الروايات ضعيف . كما إن سند الوحدة ضعيف أيضاً .
ومعه تسقط كلتا
الطائفتين عن الحجية , أما للضعف أو للتعارض . ونرجع إلى ظاهر القرآن
الكريم بالتعدد . وذلك باعتبار الوجوه السابقة التي قلناها .
......................................
(1) ج2 , ص 156 .
(2) تفسير الرازي ,ج32, ص104 .
(3) راجع الميزان , ج20 , ص364 .......
كما
يمكن القول :ان روايات الوحدة تعارض هذا الظاهر القرآني , فتسقط عن الحجية
, لقولهم عليهم السلام (1) : ما خالف قول ربنا باطل , أضرب به عرض الجدار
. ورايات الوحدة توافق هذا الظاهر ,فتكون معتبرة . وعلى أي حال , يكون
ظاهر القرآن معتبراً .ثم إن كون الجار والمجرور (لايلاف ) متعلقاً بما
قبله من سورة الفيل , ينتج أمراً , وهو أن حادثة الفيل حصلت لاجل إيلاف
قريش , وانسها بولادة النبي (ص) . وهو معنى لطيف إلا انه قابل للمناقشة
.وعلى هذا تكون وحدة السورتين , قرينة – ولو كانت ناقصة – على ان هذه
السورة نزلت بعد سورة الفيل , كجزء منها .وهذا قابل للمناقشة من عدة وجوه :
الوجه
الول : ان تعلق الجار والمجرور , يكون بعيداً لفظاً . مع وجود فاصل آية أو
أكثر من آية , لا أقل من البسملة , وهذا خلاف الظهور الفعلي .
الوجه
الثاني : إن في سورة الفيل ستة أفعال : ترى وفعل ويجعل وارسل وترميهم
وجعلهم ,فلآي منها يعود الجار والمجرور ؟ نذكر عدة أطروحات كلها باطلة :
اولاً : ان يعود الى الجامع بينها , أي إلى احداها على نحو الإجمال . وهذا باطل نحوياً ومعنوياً , وإن كان متصوراً أصولياً .
ثانياً : ان بعود على ( فعل ) وفيه نقطة قوة ونقطة ضعف :
أما نقطة قوته : فهب انسجام المعنى . من حيث ان الله تعالى ينتقم من أصحاب الفيل لاجل إيلاف قريش .
ونقطة ضعفه : بعده اللفظي عن الجار والمجرور , وهو أمر مهم .
ثالثاً
: أنه يعود على قوله : فَجَعَلَهُمْ . ونقطة قوته قربه النسبي من الجار
والمجرور . إلا أنه لا يناسب المعنى الذي اقترحوه , فيكون على خلاف الظاهر
.
الوجه الثالث : أن السبب الذي تدل عليه سورة الايلاف , هو إلف قريش
لرحلة الشتاء والصيف واستيناسهم بها . ولا ذكر للنبي (ص) فالذي ينبغي أن
يقال : أن الله تعالى فعل وانتقم من أصحاب الفيل لاجل إيلاف وأنس قريش
برحلاتهم . وهذا هو الأقرب إلى السياق القرآني
فإن قلت : أن النبي (ص) ولد في عام الفيل . فسيكون مناسباً مع حادثة الفيل .
..........................................
(1) انظر الوسائل ج 18 كتاب القضاء ص 78- 79 .
قلت
: أن مئات الحوادث حصلت في عام الفيل . ولكن أهمها ولادة النبي ( ص)
فينبغي ان تكون هناك قرينة على أنسهم بولادة لنبي (ص) أو إشارة إلى ذلك في
السياق وهو منتفِ .
الوجه الرابع : أن تعلق الجار والمجرور بسورة الفيل
, إنما يصح مع وحدة السورتين , إذ لا يمكن تعلق الجار والمجرور بسورة
مستقلة وهذا فرع أن تكون سورة الايلاف نازلة بعد سورة الفيل مباشرة , لا
بعد سورتين أو أكثر أو كانت نازلة قبلها .
أذن , فجميع هذه الوجوه غير صحيحة . بل يتعلق الجار والمجرور بما ذكرناه من الوجوه السابقة .
سؤال : ما معنى الايلاف ؟
جوابه
: الايلاف هو الأنس والاعتياد . من الثلاثي ( أَلف ) وهو معتدٍ إلى مفعول
واحد . أو الرباعي (أَلف ) وهو معتد إلى مفعولين , وقيل : لواحد
والمراد من السورة : الآلف , أي مادة الثلاثي . والمعنى : آلف قريش للرحلة . ولكنه أستعمل الرباعي وذلك لاكثر من وجه واحد :
الأول
: أنه من قبيل استعمال الرباعي في معنى الثلاثي , مجازاً . ومن هنا أحتاج
إلى مفعول واحد , كالثلاثي , خلافاً للميزان الذي ذكر (1) إن المفعول
الثاني موجود أو مقدر يعرف مما بعده , وهو رحلة .
الثاني : أن المراد الرباعي . ويكون المفعول الأول مقدراً يعني يؤلفون غيرهم :أو يؤلف بعضهم البعض على الرحلة وهي المفعول الثاني .
سؤال : ما هو محل( قُرَيْشٍ ) من الإعراب ؟
جوابه : هي مضاف أليه للمصدر . ولكن هل هي من إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول ؟
قال في الميزان (2) وفاعل الايلاف هو الله سبحانه . وقريش مفعوله الأول , ومفعوله الثاني محذوف يدل عليه ما بعده .
أقول : أي أنه رجح كون الإضافة إلى المفعول وفيما سبق رجحنا إن الإضافة إلى الفاعل , أي أن قريش تؤلف غيرها إلى الرحلة .
..............................
(1) ج20 و ص 366.
(2) المصدر والصفحة .
وكما
يمكن ان يكون فاعل الايلاف هو الله سبحانه – كما قال – يمكن أن يكون ايضاً
: الأسباب الطبيعية أو التجارة أو الأسترباح أو الضرورة , باعتبار أن
أرضهم كانت ممحلة لا تنبت زرعاً (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ )(إبراهيم: من
الآية37).
و" رحلة " مفعول به للرباعي إن قلنا أنه يأخذ مفعولا واحداً
. ولا بد من تقدير مفعول ثانٍ أن قلنا انه يأخذ مفعولين . أي إن قريش تؤلف
الآخرين رحلة الشتاء والصيف .
وهناك أطروحة أخرى , وهي : أنه ليس
بالضرورة إن كل فعل متٍ الى مفعولين , يأخذ مفعولين فعلاً . بل يجوز أن
يأخذ مفعولا واحداً . وهنا كذلك .
وبتقريب أخر : أننا قلنا : ان
الرباعي استعمل بدل الثلاثي. مجازاً. ويمكن القول أنه أكتسب نفس صورته
النحوية واللغوية , بأن يأخذ مفعولا واحداً .
سؤال : لماذا التكرار في ( إِيلافِهِمْ ) ؟
جوابه
: أولا : ما عليه مشهور المفسرين , وهو التأكيد . وفيه : إن التأكيد ليس
مطلوباً دائماً . لأنه ينبغي انت يكون مطابقا لمقتضى الحال . وجوابه : أن
المراد بيان كثرة الآلفة والهمة نحو الرحلة . فانه لولا هذه التجارة
لماتوا جوعاً .فالأهمية موجودة وتستحق التأكيد بالتكرار .
ثانياً :تغير
المتعلق . فإننا عندما نقول : آلف زيد عمراً المكان . فأنه يطول الكلام
نسبياً . فيمكن أن نقول بدلا عنه :آلف زيد عمراً الف المكان . فقد دخل
الأول على المفعول الأول والثاني على المفعول الثاني . أو نقول : دخل
الفعل الأول على الفاعل والثاني على المفعول اذا كان متعديا إلى مفعول
واحد .
وبهذه الأطروحة نكون قد حصلنا على مبرر للتكرار .
ثالثا ً: اختلال السياق اللفظي بحذف إيلافهم الثانية . وهو ما يدرك حساً وذوقاً .
رابعاً
: وهي أطروحة لم تخطر على بال أحد وهي انه من المحتمل حصول بط ء وتلكوء في
الوحي نسبياً . كما لو قال : لايلاف قريش . وسكت : لوجود مانع أو مصلحة .
وحين أراد تجديد الكلام كان لابد من تجديد الارتباط بدون تكرار كامل .فقال
ايلافهم والله تعالى يعلم بعلمه الأزلي البط ء والتكرار . فأصبحت جزءاً
حقيقياً من القرآن . لان النبي (ص) قرأها هكذا . والاحتمال مبطل للاستدلال
.إن قلت : إن انقطاع الوحي لمانع , خلاف عصمة النبي (ص) لما فيه من إشعار
عدم الإصغاء للوحي .
قلت : أما من ناحية الكبرى , وهو لزوم الإصغاء
للوحي .فلا إشكال في كونه مسلما به لان الوحي من الله سبحانه . ولكنه قابل
للمناقشة صغروياً لعدة أسباب :
أولاً : ان المتكلم للوحي ليس هو الله
سبحانه بل جبرائيل . يقول سبحانه )نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى
قَلْبِكَ)(الشعراء: من الآية194)فخرجت الصغرى عن تلك الكبرى . وهو (ص)
أعظم وأهم من حبرائيل ,فليس وجوب الإصغاء متحققاً أليه .
ثانياً : إن الخواطر غير اختيارية حتى لنبي (ص) والوحي يعلم بذل . فيسكت حتى تنجلي .
ثالثاً
: انه يمكن ان حصول شغل للنبي (ص) كدخول شخص عليه أو غير ذلك من عوارض
الدنيا .فيتحول ذهنه إصراراً عن الوحي حينئذ. فلا بد من التكرار للارتباط .
سؤال : ما المراد من العبادة في قوله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)
جوابه : لمادة العبادة هنا عدة مستويات :
الأول : الدخول في الإسلام , لان المخاطب قريش . وهم عبدة الأصنام . فخطبوا للتحول إلى عبادة الله , أو قل :للدخول إلى الإسلام .
الثاني
: تقديم الشكر لله عز وجل على النعم العظيمة المذكورة في السورة الكريمة .
على اعتبار إن المخاطب هو كل الناس,في كل القرآن وهو سبحانه قد أمنهم من
خوف وأطعمهم من جوع .
الثالث : الحج . أخذاً بالقرينة المتصلة . أي
فليعرضوا من هذه الرحلة إلى رحلة إلى الحج والعبادة ز والبيت هو محل الحج
على أي حال . وكل هذه المستويات محتملة وقائمة . ولكن بحسب الظاهر الأولي
, فإن المستوى الأول هو أرجح المحتملات . أما ذكر البيت فقد لا يكون قرينة
على الحج .وإنما خص بالذكر لوضوحه في أذهانهم , وقربه منهم , مع إدراكهم
بكونه مربوطاً بالله تعالى . .
ومنه يتضح معنى الفاء في قوله : فليعبدوا . فإن فائدتها الفريع على السابق , أي نتيجة لوام النعم في رحلة الشتاء والصيف .
سؤال : ما المقصود بالذي في قوله تعالى : الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ؟
جوابه :أمرين :
أحدهما :وهو الأرجح أن يراد به الله سبحانه . وهو مذكور في السياق بعنوان : رب هذا البيت .
ثانيهما
: البيت وهو و وهو جزء العلة والسبب الأهم للرزق والأمان . أما الرزق
فباعتبار كثرة السواح . واما المن فباعتبار حرمة دخول الحرم المكي والقتال
فيه .
غير أن الأرجح – كما قلنا – هو إن المراد هو الله سبحانه , لأنه هو السبب الحقيقي .
سؤال : كيف آمنهم من خوف
جوابه : لعدة إعتبارات :
أولاً : ان تلك الرحلة كانت خطرة من عدة جهات للوحوش واللصوص وغير ذلك ولكنهم كانوا في كل عام يذهبون سالمين ويرجعون سالمين .
ثانياً : إن القوى الكبرى في العالم يومئذ .ككسرى وقيصر , لم يتعرضوا لهم بشر , بالرغم من إمكان ذلك , وقلة إمكانيات الدفاع لديهم .
ثالثا
ً : أنهم لم يتعرضوا إلى الغزو والغارات التي كان يقوم بها بعض القبائل
تجاه بعض . فقد كان هذا معتاداً إلا أنه غير موجود إطلاقاً على أهل مكة ,
لقدسية الكعبة والحرم المكي الذي كانت فكرته كانت موجودة أجمالاً في
الجاهلية واشير أليه القرآن الكريم كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ
حَوْلِهِمْ)(العنكبوت: من الآية67) ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً
آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)(القصص: من الآية57)
هذا
. ويمكن أن نقول : أن قوله : الذي أطعمهم , يعني لاجل هذا السبب . بالرغم
من كونه نعتاً . وهو لا يفيد هذه الجهة لا نحوياً ولا أصولياً , إلا أن
الحدس العرفي يقرر ذلك .وله شواهد في القرآن كقوله تعالى )الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ...... )(إبراهيم: من الآية39)
) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا ....)(لأعراف: من الآية43)
سؤال : ما معنى أطعمهم ؟
جوابه
: انه على معنى قدم لهم الطعام ومكنهم منه .وهو أما حقيقة أو مجاز
.والمراد ليس هو الطعام الحقيقي , بل مطلق سبل العيش والرزق . كل ما في
الأمر :إن إطعامهم إيجابي , وامنهم سلبي يعني دفع أسباب الخوف والبلاء .
ومن هنا كان استناده إلى لله أوضح . لأنه ليس باختيار .وأنما هو الدبر .
وفي
الإمكان حمل هذه النعم على النعم المعنوية , لأن كيان الإنسان على مستويات
متعددة : الجسم والنفس والعقل والروح . وقد جعل الله سبحانه لكل منها لذة
وألماً وخوفاً وأمناً .
كما يمكن ان نحمل ذلك على مستوى الأخروي .
فإطعامهم من جوع يعني : أثابهم في وقت حاجتهم . إلى الثواب . وأمنهم من
خوف . أي من عقاب جهنم .
فإن قلت : هل هذا الكلام مما تستحقه قريش عبدة الأصنام ؟
قلت
: أولاً : أننا حملنا كلا الآمرين ( الطعام والأمن ) على المعنى المعنوي .
فيمكن أن نفهم من قريش المعنى المعنوي ايضاً . وذلك أن يكون المراد كل فئة
متدنية بالنسبة إلى الكمال الذي لم يصلوه .وان الوصول إليه منوط بالتوفيق
الإلهي الذي أطعمهم وأمنهم وسيرهم في طريق التكامل الذي مشور فيه.
ثانياً : أنه تعالى أعطى قريشاً نفسها وأطعمهم وآمنهم , ببزوغ نور الإسلام الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور .
غير
إن أنزل الإسلام وتبلغه , إنما هو سبب أقتضائي للهداية وليس عِلَّياً ,
وإنما تنفع حقيقته حينما تتم اجزاء العلة , بالدخول إلى الإسلام , وإطاعة
أحكامه .
وعلى هذا يمكن القول بإمكان عموم الإطلاق (للإطعام والنعم
الإلهية ) إلى كل من المعاني المادية والمعنوية والدنيوية والأخروية ,
وعدم الانحصار ببعضها دون بعض .
تمت هذه السورة والحمد لله رب العالمين
تأليف : السيد محمد الصدر
الجزء العاشر
من كتاب منة المنان في الدفاع عن القرآن
للسيد الشهيد محمد الصدر( رضوان الله عليه )
سورة الايلاف
وفي تسميتها عدة أطروحات :
الأولى : الايلاف . وهو المشهور .
الثانية : قٌرَيَْشٍ , كما في بعض المصادر .
الثالثة :السورة التي ذكر فيها الايلاف . أو التي ذكر فيها قٌرَيَْشٍ .
الرابعة : ان نسميها بما تبدأ به وهو قوله لإيلاَفِ قٌرَيَْشٍ .
الخامسة : ان نشير اليها برقمها في المصحف وهو 106 .
سؤال : ما هو متعلق لإِيلاَفِ ؟
جوابه : ان فيه عدة وجوه :
الأول : أنه فعل مقدر قبله . مثل نزلت السورة أو أقول أو يحصل . ونحوه لاجل ان يناسب أسناد الجار والمجرور .
الثاني : أنه فعل مقدر بعده , فيكون المعنى انه تحصل رحلة الشتاء والصيف لايلاف قريش .
الثالث
: ما ذكره الرازي في هامش العكبري حيث قال (1) : إنها متعلق بما بعدها ,
وهو قوله تعالى : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ.لايلافهم رحلة
الشتاء والصيف.
أقول : إلا ناه بعيد لأنه بمنزلة المعلول والأثر , فلا
يكون بمنزلة المؤثر . ويجاب : انه أثر للنعمة ومؤثر في الايلاف . وبالرغم
من بعده اللفظي, فإننا قد نقبل به . ولكن مع الانحصار بهذا الوجه .
....................
(1) ج1 , ص157.
الرابع
: إننا إنما نحن نحتاج إلى فعل يرجع إليه الحار والمجرور . مع وجوده . أما
عدمه , فلا حاجة إلى ذلك كبروياً . ولا يتوقف عليه المعنى بل هو مفهوم
بدونه .
الخامس :ما ذكره الرازي –أيضا- حيث قال إنها متعلقة بأخر السورة التي قبلها .أي جعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش .
أقول : هذا على أساس أمرين :عدم الفصل بالبسملة . وثانيهما:انهما سورة واحدة .
وهناك
من القرائن ما يدل على وحدة السورتين , مضافا إلى الروايات من الفريقين
.وروايات العامة مصرحة بترك البسملة بينهما (2) , فيكون ذلك أوضح في
الوحدة . ويدفعه :بأنه لا أشكال من وجود البسملة هنا . مع العلم أنه لا
توجد بسملة في وسط السورة إلا في سورة النمل .ووجود البسملة دال على
التعدد. وكذلك فأنه مع حصول وجوه لمتعلق الجار والمجرور , تنتفي هذه
القرينة على الوحدة أيضاً .
وأما قرائن التعدد , فمتعددة :
أولاً: وجود البسملة بين السورتين :
ثانياً ارتكاز المتشرعة .
ثالثاً: أنه لا دليل على تتابعها في النزول . بل قد يكون الأمر بالعكس .
رابعاً: أختلاف السياق اللفظي . فسورة الفيل آياتها باللام , والايلاف بالنون .
خامساً تعدد الهدف أو السياق المعنوي .
سادساً:
أن الروايات وان دلت على الوحدة , فإن هناك روايات أخرى تدل على
التعدد,ذكرها صاحب الميزان (3) , ايضاً . ولكنه يمكن القول بأن سند
الروايات ضعيف . كما إن سند الوحدة ضعيف أيضاً .
ومعه تسقط كلتا
الطائفتين عن الحجية , أما للضعف أو للتعارض . ونرجع إلى ظاهر القرآن
الكريم بالتعدد . وذلك باعتبار الوجوه السابقة التي قلناها .
......................................
(1) ج2 , ص 156 .
(2) تفسير الرازي ,ج32, ص104 .
(3) راجع الميزان , ج20 , ص364 .......
كما
يمكن القول :ان روايات الوحدة تعارض هذا الظاهر القرآني , فتسقط عن الحجية
, لقولهم عليهم السلام (1) : ما خالف قول ربنا باطل , أضرب به عرض الجدار
. ورايات الوحدة توافق هذا الظاهر ,فتكون معتبرة . وعلى أي حال , يكون
ظاهر القرآن معتبراً .ثم إن كون الجار والمجرور (لايلاف ) متعلقاً بما
قبله من سورة الفيل , ينتج أمراً , وهو أن حادثة الفيل حصلت لاجل إيلاف
قريش , وانسها بولادة النبي (ص) . وهو معنى لطيف إلا انه قابل للمناقشة
.وعلى هذا تكون وحدة السورتين , قرينة – ولو كانت ناقصة – على ان هذه
السورة نزلت بعد سورة الفيل , كجزء منها .وهذا قابل للمناقشة من عدة وجوه :
الوجه
الول : ان تعلق الجار والمجرور , يكون بعيداً لفظاً . مع وجود فاصل آية أو
أكثر من آية , لا أقل من البسملة , وهذا خلاف الظهور الفعلي .
الوجه
الثاني : إن في سورة الفيل ستة أفعال : ترى وفعل ويجعل وارسل وترميهم
وجعلهم ,فلآي منها يعود الجار والمجرور ؟ نذكر عدة أطروحات كلها باطلة :
اولاً : ان يعود الى الجامع بينها , أي إلى احداها على نحو الإجمال . وهذا باطل نحوياً ومعنوياً , وإن كان متصوراً أصولياً .
ثانياً : ان بعود على ( فعل ) وفيه نقطة قوة ونقطة ضعف :
أما نقطة قوته : فهب انسجام المعنى . من حيث ان الله تعالى ينتقم من أصحاب الفيل لاجل إيلاف قريش .
ونقطة ضعفه : بعده اللفظي عن الجار والمجرور , وهو أمر مهم .
ثالثاً
: أنه يعود على قوله : فَجَعَلَهُمْ . ونقطة قوته قربه النسبي من الجار
والمجرور . إلا أنه لا يناسب المعنى الذي اقترحوه , فيكون على خلاف الظاهر
.
الوجه الثالث : أن السبب الذي تدل عليه سورة الايلاف , هو إلف قريش
لرحلة الشتاء والصيف واستيناسهم بها . ولا ذكر للنبي (ص) فالذي ينبغي أن
يقال : أن الله تعالى فعل وانتقم من أصحاب الفيل لاجل إيلاف وأنس قريش
برحلاتهم . وهذا هو الأقرب إلى السياق القرآني
فإن قلت : أن النبي (ص) ولد في عام الفيل . فسيكون مناسباً مع حادثة الفيل .
..........................................
(1) انظر الوسائل ج 18 كتاب القضاء ص 78- 79 .
قلت
: أن مئات الحوادث حصلت في عام الفيل . ولكن أهمها ولادة النبي ( ص)
فينبغي ان تكون هناك قرينة على أنسهم بولادة لنبي (ص) أو إشارة إلى ذلك في
السياق وهو منتفِ .
الوجه الرابع : أن تعلق الجار والمجرور بسورة الفيل
, إنما يصح مع وحدة السورتين , إذ لا يمكن تعلق الجار والمجرور بسورة
مستقلة وهذا فرع أن تكون سورة الايلاف نازلة بعد سورة الفيل مباشرة , لا
بعد سورتين أو أكثر أو كانت نازلة قبلها .
أذن , فجميع هذه الوجوه غير صحيحة . بل يتعلق الجار والمجرور بما ذكرناه من الوجوه السابقة .
سؤال : ما معنى الايلاف ؟
جوابه
: الايلاف هو الأنس والاعتياد . من الثلاثي ( أَلف ) وهو معتدٍ إلى مفعول
واحد . أو الرباعي (أَلف ) وهو معتد إلى مفعولين , وقيل : لواحد
والمراد من السورة : الآلف , أي مادة الثلاثي . والمعنى : آلف قريش للرحلة . ولكنه أستعمل الرباعي وذلك لاكثر من وجه واحد :
الأول
: أنه من قبيل استعمال الرباعي في معنى الثلاثي , مجازاً . ومن هنا أحتاج
إلى مفعول واحد , كالثلاثي , خلافاً للميزان الذي ذكر (1) إن المفعول
الثاني موجود أو مقدر يعرف مما بعده , وهو رحلة .
الثاني : أن المراد الرباعي . ويكون المفعول الأول مقدراً يعني يؤلفون غيرهم :أو يؤلف بعضهم البعض على الرحلة وهي المفعول الثاني .
سؤال : ما هو محل( قُرَيْشٍ ) من الإعراب ؟
جوابه : هي مضاف أليه للمصدر . ولكن هل هي من إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول ؟
قال في الميزان (2) وفاعل الايلاف هو الله سبحانه . وقريش مفعوله الأول , ومفعوله الثاني محذوف يدل عليه ما بعده .
أقول : أي أنه رجح كون الإضافة إلى المفعول وفيما سبق رجحنا إن الإضافة إلى الفاعل , أي أن قريش تؤلف غيرها إلى الرحلة .
..............................
(1) ج20 و ص 366.
(2) المصدر والصفحة .
وكما
يمكن ان يكون فاعل الايلاف هو الله سبحانه – كما قال – يمكن أن يكون ايضاً
: الأسباب الطبيعية أو التجارة أو الأسترباح أو الضرورة , باعتبار أن
أرضهم كانت ممحلة لا تنبت زرعاً (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ )(إبراهيم: من
الآية37).
و" رحلة " مفعول به للرباعي إن قلنا أنه يأخذ مفعولا واحداً
. ولا بد من تقدير مفعول ثانٍ أن قلنا انه يأخذ مفعولين . أي إن قريش تؤلف
الآخرين رحلة الشتاء والصيف .
وهناك أطروحة أخرى , وهي : أنه ليس
بالضرورة إن كل فعل متٍ الى مفعولين , يأخذ مفعولين فعلاً . بل يجوز أن
يأخذ مفعولا واحداً . وهنا كذلك .
وبتقريب أخر : أننا قلنا : ان
الرباعي استعمل بدل الثلاثي. مجازاً. ويمكن القول أنه أكتسب نفس صورته
النحوية واللغوية , بأن يأخذ مفعولا واحداً .
سؤال : لماذا التكرار في ( إِيلافِهِمْ ) ؟
جوابه
: أولا : ما عليه مشهور المفسرين , وهو التأكيد . وفيه : إن التأكيد ليس
مطلوباً دائماً . لأنه ينبغي انت يكون مطابقا لمقتضى الحال . وجوابه : أن
المراد بيان كثرة الآلفة والهمة نحو الرحلة . فانه لولا هذه التجارة
لماتوا جوعاً .فالأهمية موجودة وتستحق التأكيد بالتكرار .
ثانياً :تغير
المتعلق . فإننا عندما نقول : آلف زيد عمراً المكان . فأنه يطول الكلام
نسبياً . فيمكن أن نقول بدلا عنه :آلف زيد عمراً الف المكان . فقد دخل
الأول على المفعول الأول والثاني على المفعول الثاني . أو نقول : دخل
الفعل الأول على الفاعل والثاني على المفعول اذا كان متعديا إلى مفعول
واحد .
وبهذه الأطروحة نكون قد حصلنا على مبرر للتكرار .
ثالثا ً: اختلال السياق اللفظي بحذف إيلافهم الثانية . وهو ما يدرك حساً وذوقاً .
رابعاً
: وهي أطروحة لم تخطر على بال أحد وهي انه من المحتمل حصول بط ء وتلكوء في
الوحي نسبياً . كما لو قال : لايلاف قريش . وسكت : لوجود مانع أو مصلحة .
وحين أراد تجديد الكلام كان لابد من تجديد الارتباط بدون تكرار كامل .فقال
ايلافهم والله تعالى يعلم بعلمه الأزلي البط ء والتكرار . فأصبحت جزءاً
حقيقياً من القرآن . لان النبي (ص) قرأها هكذا . والاحتمال مبطل للاستدلال
.إن قلت : إن انقطاع الوحي لمانع , خلاف عصمة النبي (ص) لما فيه من إشعار
عدم الإصغاء للوحي .
قلت : أما من ناحية الكبرى , وهو لزوم الإصغاء
للوحي .فلا إشكال في كونه مسلما به لان الوحي من الله سبحانه . ولكنه قابل
للمناقشة صغروياً لعدة أسباب :
أولاً : ان المتكلم للوحي ليس هو الله
سبحانه بل جبرائيل . يقول سبحانه )نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى
قَلْبِكَ)(الشعراء: من الآية194)فخرجت الصغرى عن تلك الكبرى . وهو (ص)
أعظم وأهم من حبرائيل ,فليس وجوب الإصغاء متحققاً أليه .
ثانياً : إن الخواطر غير اختيارية حتى لنبي (ص) والوحي يعلم بذل . فيسكت حتى تنجلي .
ثالثاً
: انه يمكن ان حصول شغل للنبي (ص) كدخول شخص عليه أو غير ذلك من عوارض
الدنيا .فيتحول ذهنه إصراراً عن الوحي حينئذ. فلا بد من التكرار للارتباط .
سؤال : ما المراد من العبادة في قوله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)
جوابه : لمادة العبادة هنا عدة مستويات :
الأول : الدخول في الإسلام , لان المخاطب قريش . وهم عبدة الأصنام . فخطبوا للتحول إلى عبادة الله , أو قل :للدخول إلى الإسلام .
الثاني
: تقديم الشكر لله عز وجل على النعم العظيمة المذكورة في السورة الكريمة .
على اعتبار إن المخاطب هو كل الناس,في كل القرآن وهو سبحانه قد أمنهم من
خوف وأطعمهم من جوع .
الثالث : الحج . أخذاً بالقرينة المتصلة . أي
فليعرضوا من هذه الرحلة إلى رحلة إلى الحج والعبادة ز والبيت هو محل الحج
على أي حال . وكل هذه المستويات محتملة وقائمة . ولكن بحسب الظاهر الأولي
, فإن المستوى الأول هو أرجح المحتملات . أما ذكر البيت فقد لا يكون قرينة
على الحج .وإنما خص بالذكر لوضوحه في أذهانهم , وقربه منهم , مع إدراكهم
بكونه مربوطاً بالله تعالى . .
ومنه يتضح معنى الفاء في قوله : فليعبدوا . فإن فائدتها الفريع على السابق , أي نتيجة لوام النعم في رحلة الشتاء والصيف .
سؤال : ما المقصود بالذي في قوله تعالى : الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ؟
جوابه :أمرين :
أحدهما :وهو الأرجح أن يراد به الله سبحانه . وهو مذكور في السياق بعنوان : رب هذا البيت .
ثانيهما
: البيت وهو و وهو جزء العلة والسبب الأهم للرزق والأمان . أما الرزق
فباعتبار كثرة السواح . واما المن فباعتبار حرمة دخول الحرم المكي والقتال
فيه .
غير أن الأرجح – كما قلنا – هو إن المراد هو الله سبحانه , لأنه هو السبب الحقيقي .
سؤال : كيف آمنهم من خوف
جوابه : لعدة إعتبارات :
أولاً : ان تلك الرحلة كانت خطرة من عدة جهات للوحوش واللصوص وغير ذلك ولكنهم كانوا في كل عام يذهبون سالمين ويرجعون سالمين .
ثانياً : إن القوى الكبرى في العالم يومئذ .ككسرى وقيصر , لم يتعرضوا لهم بشر , بالرغم من إمكان ذلك , وقلة إمكانيات الدفاع لديهم .
ثالثا
ً : أنهم لم يتعرضوا إلى الغزو والغارات التي كان يقوم بها بعض القبائل
تجاه بعض . فقد كان هذا معتاداً إلا أنه غير موجود إطلاقاً على أهل مكة ,
لقدسية الكعبة والحرم المكي الذي كانت فكرته كانت موجودة أجمالاً في
الجاهلية واشير أليه القرآن الكريم كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ
حَوْلِهِمْ)(العنكبوت: من الآية67) ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً
آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)(القصص: من الآية57)
هذا
. ويمكن أن نقول : أن قوله : الذي أطعمهم , يعني لاجل هذا السبب . بالرغم
من كونه نعتاً . وهو لا يفيد هذه الجهة لا نحوياً ولا أصولياً , إلا أن
الحدس العرفي يقرر ذلك .وله شواهد في القرآن كقوله تعالى )الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ...... )(إبراهيم: من الآية39)
) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا ....)(لأعراف: من الآية43)
سؤال : ما معنى أطعمهم ؟
جوابه
: انه على معنى قدم لهم الطعام ومكنهم منه .وهو أما حقيقة أو مجاز
.والمراد ليس هو الطعام الحقيقي , بل مطلق سبل العيش والرزق . كل ما في
الأمر :إن إطعامهم إيجابي , وامنهم سلبي يعني دفع أسباب الخوف والبلاء .
ومن هنا كان استناده إلى لله أوضح . لأنه ليس باختيار .وأنما هو الدبر .
وفي
الإمكان حمل هذه النعم على النعم المعنوية , لأن كيان الإنسان على مستويات
متعددة : الجسم والنفس والعقل والروح . وقد جعل الله سبحانه لكل منها لذة
وألماً وخوفاً وأمناً .
كما يمكن ان نحمل ذلك على مستوى الأخروي .
فإطعامهم من جوع يعني : أثابهم في وقت حاجتهم . إلى الثواب . وأمنهم من
خوف . أي من عقاب جهنم .
فإن قلت : هل هذا الكلام مما تستحقه قريش عبدة الأصنام ؟
قلت
: أولاً : أننا حملنا كلا الآمرين ( الطعام والأمن ) على المعنى المعنوي .
فيمكن أن نفهم من قريش المعنى المعنوي ايضاً . وذلك أن يكون المراد كل فئة
متدنية بالنسبة إلى الكمال الذي لم يصلوه .وان الوصول إليه منوط بالتوفيق
الإلهي الذي أطعمهم وأمنهم وسيرهم في طريق التكامل الذي مشور فيه.
ثانياً : أنه تعالى أعطى قريشاً نفسها وأطعمهم وآمنهم , ببزوغ نور الإسلام الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور .
غير
إن أنزل الإسلام وتبلغه , إنما هو سبب أقتضائي للهداية وليس عِلَّياً ,
وإنما تنفع حقيقته حينما تتم اجزاء العلة , بالدخول إلى الإسلام , وإطاعة
أحكامه .
وعلى هذا يمكن القول بإمكان عموم الإطلاق (للإطعام والنعم
الإلهية ) إلى كل من المعاني المادية والمعنوية والدنيوية والأخروية ,
وعدم الانحصار ببعضها دون بعض .
تمت هذه السورة والحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الرابع ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الأول
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الثاني ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الخامس ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء السادس ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الأول
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الثاني ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الخامس ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء السادس ـ
موقع منتديات نور الزهراء الساطع :: الفئة الأولى :: في رحاب القرآن الكريم :: تفسير منّة المنّان في الدفاع عن القرآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى