تفسير منة المنّان ـ الجزء الثامن ـ
موقع منتديات نور الزهراء الساطع :: الفئة الأولى :: في رحاب القرآن الكريم :: تفسير منّة المنّان في الدفاع عن القرآن
صفحة 1 من اصل 1
تفسير منة المنّان ـ الجزء الثامن ـ
مِنةُ اَلمنَان في الدفاع عن القرآن
تأليف : السيد محمد الصدر
الجزء الثامن
من كتاب منة المنان في الدفاع عن القرآن
للسيد الشهيد محمد الصدر( رضوان الله عليه )
سورة الماعون
وفي تسميتها عدة اطروحات :
الأولى :المَاعُونَ , وهي التسمية المشهورة
الثانية
: الَيتِيمَ :كما سماها أبو البقاء العكبري (1) الثالثة : لسورة الي ذكر
فيها الماعون او التي ذكر فيها اليتيم . سيراً على طريقة الشريف الرضي قدس
سره .
الرابعة : الإشارة لها رقمها في المصحف المتداول وهو 107 .
قوله
تعالى :أَرَأيْتَ .الاستفهام هنا على معنى الاستنكار وليس استفهاما
حقيقياً . لان المراد الاستنكار من العمل لا الرؤية الحقيقة .
سؤال : ما المراد بالرؤية ؟
جوابه عدة وجوه :
ما قاله في الميزان (2) وهو الرؤية البصرية .
الثاني .ما ذكره أيضا(3) من احتمال ان يكون بمعنى المعرفة .
الثالث
: ان يكون المراد الرؤية بالبصيرة , وهي وهي الرؤية القلبية التي تنصب
مفعولين .ويكون التقدير : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فاعلاً
كذا وكذا .او رأيته مكذباً بالدين .
سؤال : ما المراد بالذي ؟
جوابه من وجهين :
........................................
(1) ج20 ,ص159 .
(2) ج20 , ص 368 .
(3) المصدر والصفحة .
الأول
: ان يكون المراد به الجزئي . ان فهمنا المعنى المادي . وهو الفهم الضيق .
لانه خلاف اخبار الجري . وعلى هذا التقدير يكون المرئي جزئياً .
الثاني
:ان يكون المراد به الكلي أو اسم الجنس ومعه لا يحتمل ان تكون الرؤية حسية
, لان الكلي لا نراه حقيقة بل مجازاً . فان أسندت الى الكلي , فإنما
المراد مصاديقة وإفراده.فتتعين عند ئذ الرؤية العقلية او القلبية . لأن
العقل ( هو النفس الناطقة ) يدرك الكليات إدراكاً ابتدائياً . أي بغض
النظر عن إفراده .
سؤال : ما المراد بالدين ؟
جابه من وجهين :
الأول :الإدانة . أي يوم القيامة أو مطلق الإدانة والمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى .
الثاني
: الملة او العقيدة . وكلا المعنيين متلازمان . لان الذي يكذب بأحدهما
يكذب بالأخر . فيكونان متساويان مصداقا . وإن كان الاحتمال الأول ارجح .
لان الذنوب المذكورة في السورة فيه إدانة ومسؤولية أمام الله سبحانه .
سؤال : ما هو الوجه في ذكر الفاء في قوله تعالى : فذلك ؟
جوابه : من عدة وجوه :
الأول :إنها فاء تعريفية, لان من يكذب بالدين يفعل ذلك . فيكون من قبيل التعبير عن المعلول الموجود في الرتبة المتأخرة .
الثاني
: إنها بمنزلة التعليل إثباتا . أي بالدليل الآني أي الاستدلال بالمعلول
على العلة . فإننا حين نرى عمله السيئ , نعرف كونه مكذباً بالدين . فتكونا
بمنزلة التعليل للاستفهام الاستنكاري في أول السورة .الثالث : إنها بمنزلة
جزاء الشرط . قال في الميزان (1) :والفاء في " فذلك " لتوهم معنى الشط .
أقول : أي إن أداة الشرط وفعل الشرط مقدران . على معنى : ان عرفته فهو
المطلوب وان لم تعرفه فاعرفه بصفاته , كذا وكذا .
والوجوه التي لا تحتاج إلى تقدير هي الأفضل بطبيعة الحال . فان التقدير خلاف الأصل وخلاف الظاهر .
..............................
(1) المصدر والصفحة .
سؤال : ما هو معنى : يَدُعُّ ؟
قرئَ بالتخفيف :يَدَعُ اليتيم أي يهمله وينساه , وقرىّ بالتشديد وهو المشهور .
قال الراغب (1) الدع الدفع الشديد , واصله : أن يقال للعاثر دع دع . كما يقال لعا .وقال في الميزان (2) : الدع هو الرد عنف وجفاء .
أقول :فيكون في الدع عناصر ثلاثة :
الأول :ان الدع يكون دفعا من جهة الظهر .
ثانيا : انه دفع على حين غرة وغفلة . وهو المناسب مع احتقار المجرم .
الثالث : ما قاله سيد قطب في بعض كتبه (3) , من إن الإنسان حين يدفع بعنف يخرج منه صوت " أ ع " فأخذ منه الدع .
أقول
: أن القرآن يستعمله كلفظ لغوي . ولم يجد مناسباً إلا ذلك . فان اللغة
قائمة على أساس الأصوات . وهي منشؤها الطبيعي , كالتألم والضحك وأصوات
الحيوانات ,وغيرها . إذن ,فادع والدفع من الألفاظ الصوتية . وفيه صوتان :
احدهما : فع .وهو يمثل الصوت الذي عبر عنه سيد قطب ..ثانيهما : الدال .
وهو صوت الضربة . وهي التي انتجت سقوطاً أو تقيئاً– لو صح التعبير – وقد
تقدم الدال على صوت الأخر . كما هو كذلك تكوينياً .
وكثير من الألفاظ من هذا القبيل , كالتنفس فصوته : تن . فس . للشهيق والزفير . والتنخم والطقطقة والفافأة . وغيرها .
سؤال : كيف يتم دع اليتيم ؟
جوابه : يكون الدع على شكلين :
الشكل الأول : فعلي . وهو متوقف على حظور اليتيم وطلبه للمساعدة .
الشكل
الثاني : تشريعي . وهو مناسب أيضا , بل هو الأنسب . وطلب اليتيم يكون
بلسان التشريع , وبحرمانه يكون الإنسان قد عصى المشرَّّع له والمشّرِع .
فكما هو دعا لليتيم هو دع الله عز وجل . وظلمه هذا إنما هو ظلم لنفسه ,قال
تعالى : ) وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(
الأعراف/ 60البقرة/ من الآية57)
...................
(1) المفردات مادة دع
(2) ج20 , ص 368 .
(3)انظر مشاهد القيامة في القرآن الكريم
وقد
فسرت هذه الآية بأهل البيت (1) لانهم هم الشارع المقدس , والتشريع بيدهم
فقد ظلموا اهل البيت (ع) بعصيانهم . واما الله سبحانه فهو امنع من ان يظلم
.
سؤال : ما معنى " الحضّ" في قوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين
.قال في الميزان (2) : الحضّ الترغيب . وقال الراغب (3) : الحض التحريض
كالحث . إلا إن الحث يكون بسوق وسير والحض لا يكون بذلك .
أقول :
الحث والحض : بمعنى واحد , إلا إن الأخير يزيد عليه بالأهمية والهمة .
ومعه يكون المعنى : ان اليتيم حض الآخرين على إكرامه . والعتب إنما يكون
على من لا يحض على إكرامه .
وهذا الفعل يحتاج إلى مفعول ,وهو محذوف . قال في الميزان (4) : والكلام على تقدير مضاف أي لا يرغب الناس . الخ .
وهذا
التقدير إن كان بالمعنى المادي , فنحن في غنى عنه عرفاً . لان المفعول
أحيانا يكون من الوضوح بمكان , بحيث لا نحتاج إلى التصريح به . كما في
الأفعال التالية : يرغب ويرهب ويخوف ويطعم ويخلق . كله بمعنى : الغير .
وكذلك يزرع ويأكل ويشرب . لاحاجة عرفاً إلى التصريح بالمفعول كما قلنا .
سؤال : لماذا عدل عن الإطعام إلى الطعام , من إنها المناسبة في المقام ؟
هذا السؤال له جوابان :
الأول : إن الطعام مصدر ثلاثي يستعمل بدل المصدر الرباعي ( أو المزيد ) وهو الإطعام .
وهو وارد في اللغة . كجرى واجرى . نقول : أجرى الميزاب . واجرى الميزاب الماء . فيكون المعنى : انه لا يحض على إعطاء طعام المسكين .
الثاني
:الطعام بمعنى الذات . وهنا نحتاج الى تقدير , أي إطعام الطعام أو إعطاؤه
ونحو ذلك . ولا معنى له بدون تقدير . بينما لا نحتاج في الجواب الأول الى
تقدير .
............................
1. أصول الكافي ج1 ص 435.
2. ج20, ص368 .
3. المفردات مادة "حض "
4. ج 20ص 368 .
قال
في الميزان (1) قيل : ان التعبير بالطعام دون الإطعام للإشعار بان المسكين
كأنه مالك لما يعطى له . كما قال تعالى (2) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذريات:19) أقول : اللام هنا للملك . كما
نفهم الملكية من قوله (ص) (3): الأرض لمن أحياها .
سؤال :لماذا قال تعالى :وَلا َيَحُضُّ ولم يقل : ولا يطعم ؟
جوابه
:أولًا : واضح من السياق عدم الأمرين . فهو لا يطعم المسكين , ولا يحض على
إطعامه . ومن هنا كان الانتقاد شديداً .ولو كان بطعم ولا يحض غيره, لما
كان شديداً .
ثانيا : ان عدم الحض له حصتان : أما مع ترك العمل نفسه ,
واما مع وجوده .فلو تنزلنا عن الوجه الأول , وقنا بشمول الآية لهما معا ً
. فتكون كلتا الحصتين مرجوحة . فانه إذا كان ترك الحض مرجوحاً حتى مع عمل
نفسه , فكيف كان ذلم مع تركه .
سؤال : ما معنى المسكين ؟
و جوابه
:قالوا : إن معناه الفقير . ورجح أكثر الفقهاء انه اسوأ حالاً من الفقير .
وهذا - حسب فهمي - ليس بصحيح . فالفقير من لا مال له او قل انه لا يستطيع
لا يستطيع ان يصرف على حوائجه واما المسكين فهو لا يشبهه ألبته . لان
المسكنة تعني الذلة . فالمسكين هو الذليل ، سواء كان غنياً أو فقيراً . أو
عالما أو جاهلا , ذكرا أو أنثى .فتكون نسبة العموم من وجهه تطبيقياً
بالحمل الشايع . .إلا انه اغلب استعماله في الذليل الناشئة ذلته من الفقر
. لأن الفقر هو السبب الغالب للذلة .
وهذا هو المراد بالآية ، بدلالة القرائن المتصلة . أي الفقير الذي نشأت مسكنته من فقره .
وهذان
اللفظان من الكلمات التي إذا اجتمعتا افترقتا . وإذا افترقتا اجتمعتا .
يعني إذا افترقنا لفظا اجتمعتا في المعنى وإذا اجتمعتا في المعنى وإذا
اجتمعتا باللفظ افترقتا في المعنى إلا فهمنا – على كلا التقديرين –
متباينان في اللغة مفهوماً . وان كانا مجتمعين بنحو العموم من وجه تطبيقاً
ومصداقاً .
...............................
(1) الصدر والصفحة .
(2) انظر نحوه في الوسائل ج17 , ص326 .
سؤال : لماذا يقال (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) . مع ان الصلاة عمود الدين ؟ وهل يكون ذلك إلا مثل قول الشاعر :
دع المساجد للعباد تسكنها وقف على دكة الخمار واسقينا
ما قال ربك ويل للذين شربوا بل قال ربك : ويل للمصليـــــنا
جوابه : نقضاً وحلاً :
الأول
: وجود قرائن متصلة على تحديده , إذا ليس المراد قطعاً , وإلا لوصل الذم
إلى رسول لله (ص) والمعصومين (ع) مع إن مدحهم اشهر من ان يذكر .
الثاني : إن المراد بهم حصة خاصة من المصلين بتقيد سابق وتقيد لاحق .
اما
التقيد السابق : فهو ما أشار أليه صاحب الميزان قدس سره ,حين قال (1) :
وفي الآية تطبيق من يكذب بالدين على هؤلاء المصلين , لمكان فاء التعريف .
فإن قلت : إن ترك الفاء يخل بالسياق اللفظي .إذن فلا بد منها وان لم تفد التفريغ .
قلت نعم : تخل بالسياق عندئذ .غير انه كان يمكنه أن يستعمل الواو التي لا تفيد التفريغ إذا لم يكن التفريغ مقصوداً .إذن فهو مقصود .
وأما
التقيد اللاحق فهو قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ
سَاهُونَ) .فهنا مطلق وهو مقيد بقرينه متصلة.فيتكون من القيد والمقيد
مفهوم تصوري ضيق .هو المنقد في الآية دون غيره .
وينبغي هنا ان نلتفت
إلى انه يمكن القييد بما بعده أيضا , وهو قوله : الَّذِينَ هُمْ
يُرَاؤُونَ .وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون:7) .
قوله تعالى : سَاهُونَ
الظاهر من الساهي هنا هو الذي يحصل منه السهو مرات عديدة او هو مستمر على سهوه .
سؤال : ما معنى السهو ؟
جوابه : له عدة معانٍ :
المعنى الأول : ترك الصلاة .
فان قلت : انه قد فرضهم مصلين .
قلنا
: ان المصلين هنا بمعنى المسلمين – ظاهراً – او هم من اهل القبلة . لكي
ينسجم المعنى , فهم مصلون , الصلاة لهم بالاقتضاء التشريعي . يعني من تجب
عليهم الصلاة . في مقابل الأديان الأخرى التي لا تؤمن بالصلاة .
.........................
(1) ج20 , ص368 .
المعنى
الثاني : الشك والسهو الواقع في الصلاة .قال الشهيد الثاني (1) :إن كلا
منهما يطلق على الأخر و استعملاً شرعياً أو تجوزاً لتقارب المعنيين .
ولكن هذا المعنى غير مقصود لاكثر من وجه واحد :
الأول : إن هؤلاء الساهين معاتبون بقوله : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . ولم يقل : للساهين .
الثاني : إن الشك والسهو غير اختياري عادة , فلا يكون الفرد معاتباً عليهما . لان العتاب والعقاب خاص بما هو اختياري .
فنستنتج من ذلك . ان هذه الوجه غير محتمل
إلا
إن نقول : إن الشك والسهو وان لم يكن اختياريا , إلا إن أسبابه قد تكون
اختيارية .فالعتاب يتوجه على عدم ترك أسبابه ورفعها .ولكن ما هذه الأسباب
, أعني المنتجة لزوال الشك والسهو ؟
هي على نحوين :
الأول : الراحة الدنيوية : يقال : أرح ذهنك لكي لا يكثر سهوك .
الثاني : التكامل في درجات اليقين ,فان حصل ذلك يكون متعذراً ونادراً .
الثالث
: ما فهمه صاحب الميزان قدس سره حيث قال: (2) غافلون لا يهتمون بها , ولا
يبالون ان تفوتهم بالكلية او في بعض الأوقات أو تتأخر من وقت فضيلتها .
وهكذا .
أقول : أي يكون حال المكلف الاقتصار على الواجبات وترك المستحبات .
وفيه
نقطة قوة : وهي : أم ما ورد من السؤال عن الوجه الأول لا يأتي هنا . لأن
معناه هنا انهم مصلون ولكنهم متسامحون في صلواتهم . وهذا التسامح لا يكون
إلا من أجل الاهتمام ببعض أمور الدنيا , ما قال في الدعاء (3) : لا تجعل
الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا .
سؤال : انه قال تعالى : ""
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ . : الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ
"" . فكررت الذين هم , مرتين . فما الحاجة إلى الذين هم الثانية ؟
........................................................
(1) الروضة البهية ج1 , ص 399 .
(2) ج20 , ص 368 .
(3) انظر : مفاتيح الجنان , ص 167 .
وهنا ينبغي التعريف على إعراب الجملة قبل الشروع في الجواب .
(
ويل ) مبتدأ خبره محذوف , والجار والمجرور متعلق به و" هم " مبتدأ ز(
ساهون ) خبره .و" صلاتهم " جار ومجرور متعلق باسم الفاعل . الذين هم عن
صلاتهم ساهون .
فالضمير ( هم ) ليس ضمير فصل .بل مبتدأ نحتاج اليه ليكون عائداً على الموصل . بل حتى لو لم يذكر الضمير لاحتجنا إلى تقديره .
و( الذين ) مبتدأ و(هم ) مبتدأ ثاني .خبره ( يراؤن ) والجملة خبر للمبتدأ الأول .
او
(هم ) ضمير فصل يفيد التأكيد . وبالتالي لا تحتاج الجملة الى وجوده . لكون
العائد صالحا في ان يكون هو فاعل ( يراؤن ) فهنا يتأكد السؤال :لماذا وجد
الضمير ؟
جوابه من عدة وجوه :
الوجه الأول : - كأطروحة – لعل هناك قراءة بترك (هم ) وهذا لا ينافي السياق اللفظي القرآني .والاحتمال مبطل للاستدلال المقابل .
الوجه
الثاني : ما عليه المفسرون من انه وضع لاجل إيجاد التماثل بين الآيتين
وإحراز وحدة السياق اللفظي بينهما .ولو تركت لما حصل ذلك .
الوجه
الثالث : إن (هم ) تفيد التأكيد .والحاجة إلى التأكيد متحققة . وهي
التأكيد على عصيانهم وفسقهم وسوء تصرفهم .فهم مضافاً إلى كونهم ( ساهون عن
صلاتهم ) فإنهم أيضا يراؤن ويمنعون الماعون .
الوجه الرابع : إن فيه
إشعار بالتقيد والتحديد , دون إرادة الكلي المفهوم بدون الضمير . فهذه
الصفات خاصة بهم لا تتعدى إلى غيرهم .وهم الجماعة المعينة التي تُفهم على
مستوى المعنوي من التفكير . وهي جامع كلية لا جزئية . لهم ثلاث صفات :
السهو في الصلاة , والرياء , والمنع عن الصدقات .
وقوله تعالى : يراؤن
. يمكن أن يقع الكلام في مادتها تارة , وفي هيئه أخرى . اما الرياء
ومعناها فقد عرضناها تفصيلاً في كتابنا , فقه الأخلاق (1) فراجع .
.......................
(1) ج1 , ص 37 .
واما من حيث الهيئة فيمكن ان الالتفات إلى ان فيه سياقاً ونسقاً قرآنيين :
أما النسق , فقد قلنا انه على معنى الآيات , ولا نسميه سجعاً ولا قافية . لانه يختلف عنهما عرفاً .
و( يراؤن ) وان لم تكن نهاية الآية إلا إن لها نسقاً مع ساهون وماعون . وهو نحو من النسق القرآني , إذا قرأت بالوقف عليها .
واما السياق فهو على قسمين :
القسم الأول : السياق المعنوي . وهو ما يسمى بوحدة السياق في علم الأصول . ويستدل بها بصفتها من القرائن المتصلة على المعنى .
القسم
الثاني : السياق اللفظي : أي جمال اللفظ القرآني وترتيبه بحيث نحزر كونه
مصداقاً للهجة القرآنية .فلو اختل واختلف خرج عن كونه قرآناً . كما لو حذف
الضمير المنفصل منها وهكذا .
سؤال : ما معنى الماعون ؟
جوابه إن فيه أطروحتين :
الأولى
: ما قاله في الميزان (1) : كل من يعين الغير في دفع حاجة من حوائج الحياة
.كالقرض تقرضه والمعروف تصنعه , ومتاع البت تعيره . أقول : فيكون بمعنى
المعين .
الثانية : الظرف من ظروف الطعام . وهو معنى نفهمه الآن بالتأكيد . ويمكن استصحابه بالاستطحاب القهقري إلى العصر اللغوي الأول .
إلا
أن هذا الاستصحاب إلى صدر الإسلام لا يتم . لانقطاعه بتفسير أهل اللغة ,
فلا يمكن حمل الآية عليه .ولعل استعمالنا لهذا المعنى مجازاً , ولو
باعتبار كثرة الإعارة له .ثم أصبح حقيقة , كما هو الآن وجداناً .
إن قلت : ان قضاء الحاجات سيكون : بما في الماعون . لا الماعون نفسه .
قلنا : أولاً : هذا فرع ان يراد بالماعون الضرف . وقد نفيناه .
ثانياً
: انه تلطيف في المجاز كقوله تعالى : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)(يوسف: من
الآية82) يعني أهلها . فكذلك تكون قضى الحاجة , بالماعون أي بما فيه .
سؤال : ما هو أصل كلمة الماعون ؟ لأن الظاهر انها كلمة أجنبية او دخيلة أو ( ملمعة ) بين العربي والأجنبي .
جوابه :على عدة أطروحات :
الأولى : ما موصولة . وعون مصدر أو صفة مشبهة . بمعنى ما أعين به الآخرون . أو من يكون عوناً للآخرين .
الثانية : ما المصدرية . ويكون المصل نفسه .
الثالثة : انه ملمع من لغتين , فتكون ما فارسية بمعنى نحن . فتكون بمعنى إعانتنا للآخرين .
................
(1) ج20 , ص 368 ,
تمت هذه السورة والحمد لله رب العالمين
والبقية تأتي إن شاء الله
تأليف : السيد محمد الصدر
الجزء الثامن
من كتاب منة المنان في الدفاع عن القرآن
للسيد الشهيد محمد الصدر( رضوان الله عليه )
سورة الماعون
وفي تسميتها عدة اطروحات :
الأولى :المَاعُونَ , وهي التسمية المشهورة
الثانية
: الَيتِيمَ :كما سماها أبو البقاء العكبري (1) الثالثة : لسورة الي ذكر
فيها الماعون او التي ذكر فيها اليتيم . سيراً على طريقة الشريف الرضي قدس
سره .
الرابعة : الإشارة لها رقمها في المصحف المتداول وهو 107 .
قوله
تعالى :أَرَأيْتَ .الاستفهام هنا على معنى الاستنكار وليس استفهاما
حقيقياً . لان المراد الاستنكار من العمل لا الرؤية الحقيقة .
سؤال : ما المراد بالرؤية ؟
جوابه عدة وجوه :
ما قاله في الميزان (2) وهو الرؤية البصرية .
الثاني .ما ذكره أيضا(3) من احتمال ان يكون بمعنى المعرفة .
الثالث
: ان يكون المراد الرؤية بالبصيرة , وهي وهي الرؤية القلبية التي تنصب
مفعولين .ويكون التقدير : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فاعلاً
كذا وكذا .او رأيته مكذباً بالدين .
سؤال : ما المراد بالذي ؟
جوابه من وجهين :
........................................
(1) ج20 ,ص159 .
(2) ج20 , ص 368 .
(3) المصدر والصفحة .
الأول
: ان يكون المراد به الجزئي . ان فهمنا المعنى المادي . وهو الفهم الضيق .
لانه خلاف اخبار الجري . وعلى هذا التقدير يكون المرئي جزئياً .
الثاني
:ان يكون المراد به الكلي أو اسم الجنس ومعه لا يحتمل ان تكون الرؤية حسية
, لان الكلي لا نراه حقيقة بل مجازاً . فان أسندت الى الكلي , فإنما
المراد مصاديقة وإفراده.فتتعين عند ئذ الرؤية العقلية او القلبية . لأن
العقل ( هو النفس الناطقة ) يدرك الكليات إدراكاً ابتدائياً . أي بغض
النظر عن إفراده .
سؤال : ما المراد بالدين ؟
جابه من وجهين :
الأول :الإدانة . أي يوم القيامة أو مطلق الإدانة والمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى .
الثاني
: الملة او العقيدة . وكلا المعنيين متلازمان . لان الذي يكذب بأحدهما
يكذب بالأخر . فيكونان متساويان مصداقا . وإن كان الاحتمال الأول ارجح .
لان الذنوب المذكورة في السورة فيه إدانة ومسؤولية أمام الله سبحانه .
سؤال : ما هو الوجه في ذكر الفاء في قوله تعالى : فذلك ؟
جوابه : من عدة وجوه :
الأول :إنها فاء تعريفية, لان من يكذب بالدين يفعل ذلك . فيكون من قبيل التعبير عن المعلول الموجود في الرتبة المتأخرة .
الثاني
: إنها بمنزلة التعليل إثباتا . أي بالدليل الآني أي الاستدلال بالمعلول
على العلة . فإننا حين نرى عمله السيئ , نعرف كونه مكذباً بالدين . فتكونا
بمنزلة التعليل للاستفهام الاستنكاري في أول السورة .الثالث : إنها بمنزلة
جزاء الشرط . قال في الميزان (1) :والفاء في " فذلك " لتوهم معنى الشط .
أقول : أي إن أداة الشرط وفعل الشرط مقدران . على معنى : ان عرفته فهو
المطلوب وان لم تعرفه فاعرفه بصفاته , كذا وكذا .
والوجوه التي لا تحتاج إلى تقدير هي الأفضل بطبيعة الحال . فان التقدير خلاف الأصل وخلاف الظاهر .
..............................
(1) المصدر والصفحة .
سؤال : ما هو معنى : يَدُعُّ ؟
قرئَ بالتخفيف :يَدَعُ اليتيم أي يهمله وينساه , وقرىّ بالتشديد وهو المشهور .
قال الراغب (1) الدع الدفع الشديد , واصله : أن يقال للعاثر دع دع . كما يقال لعا .وقال في الميزان (2) : الدع هو الرد عنف وجفاء .
أقول :فيكون في الدع عناصر ثلاثة :
الأول :ان الدع يكون دفعا من جهة الظهر .
ثانيا : انه دفع على حين غرة وغفلة . وهو المناسب مع احتقار المجرم .
الثالث : ما قاله سيد قطب في بعض كتبه (3) , من إن الإنسان حين يدفع بعنف يخرج منه صوت " أ ع " فأخذ منه الدع .
أقول
: أن القرآن يستعمله كلفظ لغوي . ولم يجد مناسباً إلا ذلك . فان اللغة
قائمة على أساس الأصوات . وهي منشؤها الطبيعي , كالتألم والضحك وأصوات
الحيوانات ,وغيرها . إذن ,فادع والدفع من الألفاظ الصوتية . وفيه صوتان :
احدهما : فع .وهو يمثل الصوت الذي عبر عنه سيد قطب ..ثانيهما : الدال .
وهو صوت الضربة . وهي التي انتجت سقوطاً أو تقيئاً– لو صح التعبير – وقد
تقدم الدال على صوت الأخر . كما هو كذلك تكوينياً .
وكثير من الألفاظ من هذا القبيل , كالتنفس فصوته : تن . فس . للشهيق والزفير . والتنخم والطقطقة والفافأة . وغيرها .
سؤال : كيف يتم دع اليتيم ؟
جوابه : يكون الدع على شكلين :
الشكل الأول : فعلي . وهو متوقف على حظور اليتيم وطلبه للمساعدة .
الشكل
الثاني : تشريعي . وهو مناسب أيضا , بل هو الأنسب . وطلب اليتيم يكون
بلسان التشريع , وبحرمانه يكون الإنسان قد عصى المشرَّّع له والمشّرِع .
فكما هو دعا لليتيم هو دع الله عز وجل . وظلمه هذا إنما هو ظلم لنفسه ,قال
تعالى : ) وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(
الأعراف/ 60البقرة/ من الآية57)
...................
(1) المفردات مادة دع
(2) ج20 , ص 368 .
(3)انظر مشاهد القيامة في القرآن الكريم
وقد
فسرت هذه الآية بأهل البيت (1) لانهم هم الشارع المقدس , والتشريع بيدهم
فقد ظلموا اهل البيت (ع) بعصيانهم . واما الله سبحانه فهو امنع من ان يظلم
.
سؤال : ما معنى " الحضّ" في قوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين
.قال في الميزان (2) : الحضّ الترغيب . وقال الراغب (3) : الحض التحريض
كالحث . إلا إن الحث يكون بسوق وسير والحض لا يكون بذلك .
أقول :
الحث والحض : بمعنى واحد , إلا إن الأخير يزيد عليه بالأهمية والهمة .
ومعه يكون المعنى : ان اليتيم حض الآخرين على إكرامه . والعتب إنما يكون
على من لا يحض على إكرامه .
وهذا الفعل يحتاج إلى مفعول ,وهو محذوف . قال في الميزان (4) : والكلام على تقدير مضاف أي لا يرغب الناس . الخ .
وهذا
التقدير إن كان بالمعنى المادي , فنحن في غنى عنه عرفاً . لان المفعول
أحيانا يكون من الوضوح بمكان , بحيث لا نحتاج إلى التصريح به . كما في
الأفعال التالية : يرغب ويرهب ويخوف ويطعم ويخلق . كله بمعنى : الغير .
وكذلك يزرع ويأكل ويشرب . لاحاجة عرفاً إلى التصريح بالمفعول كما قلنا .
سؤال : لماذا عدل عن الإطعام إلى الطعام , من إنها المناسبة في المقام ؟
هذا السؤال له جوابان :
الأول : إن الطعام مصدر ثلاثي يستعمل بدل المصدر الرباعي ( أو المزيد ) وهو الإطعام .
وهو وارد في اللغة . كجرى واجرى . نقول : أجرى الميزاب . واجرى الميزاب الماء . فيكون المعنى : انه لا يحض على إعطاء طعام المسكين .
الثاني
:الطعام بمعنى الذات . وهنا نحتاج الى تقدير , أي إطعام الطعام أو إعطاؤه
ونحو ذلك . ولا معنى له بدون تقدير . بينما لا نحتاج في الجواب الأول الى
تقدير .
............................
1. أصول الكافي ج1 ص 435.
2. ج20, ص368 .
3. المفردات مادة "حض "
4. ج 20ص 368 .
قال
في الميزان (1) قيل : ان التعبير بالطعام دون الإطعام للإشعار بان المسكين
كأنه مالك لما يعطى له . كما قال تعالى (2) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذريات:19) أقول : اللام هنا للملك . كما
نفهم الملكية من قوله (ص) (3): الأرض لمن أحياها .
سؤال :لماذا قال تعالى :وَلا َيَحُضُّ ولم يقل : ولا يطعم ؟
جوابه
:أولًا : واضح من السياق عدم الأمرين . فهو لا يطعم المسكين , ولا يحض على
إطعامه . ومن هنا كان الانتقاد شديداً .ولو كان بطعم ولا يحض غيره, لما
كان شديداً .
ثانيا : ان عدم الحض له حصتان : أما مع ترك العمل نفسه ,
واما مع وجوده .فلو تنزلنا عن الوجه الأول , وقنا بشمول الآية لهما معا ً
. فتكون كلتا الحصتين مرجوحة . فانه إذا كان ترك الحض مرجوحاً حتى مع عمل
نفسه , فكيف كان ذلم مع تركه .
سؤال : ما معنى المسكين ؟
و جوابه
:قالوا : إن معناه الفقير . ورجح أكثر الفقهاء انه اسوأ حالاً من الفقير .
وهذا - حسب فهمي - ليس بصحيح . فالفقير من لا مال له او قل انه لا يستطيع
لا يستطيع ان يصرف على حوائجه واما المسكين فهو لا يشبهه ألبته . لان
المسكنة تعني الذلة . فالمسكين هو الذليل ، سواء كان غنياً أو فقيراً . أو
عالما أو جاهلا , ذكرا أو أنثى .فتكون نسبة العموم من وجهه تطبيقياً
بالحمل الشايع . .إلا انه اغلب استعماله في الذليل الناشئة ذلته من الفقر
. لأن الفقر هو السبب الغالب للذلة .
وهذا هو المراد بالآية ، بدلالة القرائن المتصلة . أي الفقير الذي نشأت مسكنته من فقره .
وهذان
اللفظان من الكلمات التي إذا اجتمعتا افترقتا . وإذا افترقتا اجتمعتا .
يعني إذا افترقنا لفظا اجتمعتا في المعنى وإذا اجتمعتا في المعنى وإذا
اجتمعتا باللفظ افترقتا في المعنى إلا فهمنا – على كلا التقديرين –
متباينان في اللغة مفهوماً . وان كانا مجتمعين بنحو العموم من وجه تطبيقاً
ومصداقاً .
...............................
(1) الصدر والصفحة .
(2) انظر نحوه في الوسائل ج17 , ص326 .
سؤال : لماذا يقال (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) . مع ان الصلاة عمود الدين ؟ وهل يكون ذلك إلا مثل قول الشاعر :
دع المساجد للعباد تسكنها وقف على دكة الخمار واسقينا
ما قال ربك ويل للذين شربوا بل قال ربك : ويل للمصليـــــنا
جوابه : نقضاً وحلاً :
الأول
: وجود قرائن متصلة على تحديده , إذا ليس المراد قطعاً , وإلا لوصل الذم
إلى رسول لله (ص) والمعصومين (ع) مع إن مدحهم اشهر من ان يذكر .
الثاني : إن المراد بهم حصة خاصة من المصلين بتقيد سابق وتقيد لاحق .
اما
التقيد السابق : فهو ما أشار أليه صاحب الميزان قدس سره ,حين قال (1) :
وفي الآية تطبيق من يكذب بالدين على هؤلاء المصلين , لمكان فاء التعريف .
فإن قلت : إن ترك الفاء يخل بالسياق اللفظي .إذن فلا بد منها وان لم تفد التفريغ .
قلت نعم : تخل بالسياق عندئذ .غير انه كان يمكنه أن يستعمل الواو التي لا تفيد التفريغ إذا لم يكن التفريغ مقصوداً .إذن فهو مقصود .
وأما
التقيد اللاحق فهو قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ
سَاهُونَ) .فهنا مطلق وهو مقيد بقرينه متصلة.فيتكون من القيد والمقيد
مفهوم تصوري ضيق .هو المنقد في الآية دون غيره .
وينبغي هنا ان نلتفت
إلى انه يمكن القييد بما بعده أيضا , وهو قوله : الَّذِينَ هُمْ
يُرَاؤُونَ .وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون:7) .
قوله تعالى : سَاهُونَ
الظاهر من الساهي هنا هو الذي يحصل منه السهو مرات عديدة او هو مستمر على سهوه .
سؤال : ما معنى السهو ؟
جوابه : له عدة معانٍ :
المعنى الأول : ترك الصلاة .
فان قلت : انه قد فرضهم مصلين .
قلنا
: ان المصلين هنا بمعنى المسلمين – ظاهراً – او هم من اهل القبلة . لكي
ينسجم المعنى , فهم مصلون , الصلاة لهم بالاقتضاء التشريعي . يعني من تجب
عليهم الصلاة . في مقابل الأديان الأخرى التي لا تؤمن بالصلاة .
.........................
(1) ج20 , ص368 .
المعنى
الثاني : الشك والسهو الواقع في الصلاة .قال الشهيد الثاني (1) :إن كلا
منهما يطلق على الأخر و استعملاً شرعياً أو تجوزاً لتقارب المعنيين .
ولكن هذا المعنى غير مقصود لاكثر من وجه واحد :
الأول : إن هؤلاء الساهين معاتبون بقوله : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . ولم يقل : للساهين .
الثاني : إن الشك والسهو غير اختياري عادة , فلا يكون الفرد معاتباً عليهما . لان العتاب والعقاب خاص بما هو اختياري .
فنستنتج من ذلك . ان هذه الوجه غير محتمل
إلا
إن نقول : إن الشك والسهو وان لم يكن اختياريا , إلا إن أسبابه قد تكون
اختيارية .فالعتاب يتوجه على عدم ترك أسبابه ورفعها .ولكن ما هذه الأسباب
, أعني المنتجة لزوال الشك والسهو ؟
هي على نحوين :
الأول : الراحة الدنيوية : يقال : أرح ذهنك لكي لا يكثر سهوك .
الثاني : التكامل في درجات اليقين ,فان حصل ذلك يكون متعذراً ونادراً .
الثالث
: ما فهمه صاحب الميزان قدس سره حيث قال: (2) غافلون لا يهتمون بها , ولا
يبالون ان تفوتهم بالكلية او في بعض الأوقات أو تتأخر من وقت فضيلتها .
وهكذا .
أقول : أي يكون حال المكلف الاقتصار على الواجبات وترك المستحبات .
وفيه
نقطة قوة : وهي : أم ما ورد من السؤال عن الوجه الأول لا يأتي هنا . لأن
معناه هنا انهم مصلون ولكنهم متسامحون في صلواتهم . وهذا التسامح لا يكون
إلا من أجل الاهتمام ببعض أمور الدنيا , ما قال في الدعاء (3) : لا تجعل
الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا .
سؤال : انه قال تعالى : ""
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ . : الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ
"" . فكررت الذين هم , مرتين . فما الحاجة إلى الذين هم الثانية ؟
........................................................
(1) الروضة البهية ج1 , ص 399 .
(2) ج20 , ص 368 .
(3) انظر : مفاتيح الجنان , ص 167 .
وهنا ينبغي التعريف على إعراب الجملة قبل الشروع في الجواب .
(
ويل ) مبتدأ خبره محذوف , والجار والمجرور متعلق به و" هم " مبتدأ ز(
ساهون ) خبره .و" صلاتهم " جار ومجرور متعلق باسم الفاعل . الذين هم عن
صلاتهم ساهون .
فالضمير ( هم ) ليس ضمير فصل .بل مبتدأ نحتاج اليه ليكون عائداً على الموصل . بل حتى لو لم يذكر الضمير لاحتجنا إلى تقديره .
و( الذين ) مبتدأ و(هم ) مبتدأ ثاني .خبره ( يراؤن ) والجملة خبر للمبتدأ الأول .
او
(هم ) ضمير فصل يفيد التأكيد . وبالتالي لا تحتاج الجملة الى وجوده . لكون
العائد صالحا في ان يكون هو فاعل ( يراؤن ) فهنا يتأكد السؤال :لماذا وجد
الضمير ؟
جوابه من عدة وجوه :
الوجه الأول : - كأطروحة – لعل هناك قراءة بترك (هم ) وهذا لا ينافي السياق اللفظي القرآني .والاحتمال مبطل للاستدلال المقابل .
الوجه
الثاني : ما عليه المفسرون من انه وضع لاجل إيجاد التماثل بين الآيتين
وإحراز وحدة السياق اللفظي بينهما .ولو تركت لما حصل ذلك .
الوجه
الثالث : إن (هم ) تفيد التأكيد .والحاجة إلى التأكيد متحققة . وهي
التأكيد على عصيانهم وفسقهم وسوء تصرفهم .فهم مضافاً إلى كونهم ( ساهون عن
صلاتهم ) فإنهم أيضا يراؤن ويمنعون الماعون .
الوجه الرابع : إن فيه
إشعار بالتقيد والتحديد , دون إرادة الكلي المفهوم بدون الضمير . فهذه
الصفات خاصة بهم لا تتعدى إلى غيرهم .وهم الجماعة المعينة التي تُفهم على
مستوى المعنوي من التفكير . وهي جامع كلية لا جزئية . لهم ثلاث صفات :
السهو في الصلاة , والرياء , والمنع عن الصدقات .
وقوله تعالى : يراؤن
. يمكن أن يقع الكلام في مادتها تارة , وفي هيئه أخرى . اما الرياء
ومعناها فقد عرضناها تفصيلاً في كتابنا , فقه الأخلاق (1) فراجع .
.......................
(1) ج1 , ص 37 .
واما من حيث الهيئة فيمكن ان الالتفات إلى ان فيه سياقاً ونسقاً قرآنيين :
أما النسق , فقد قلنا انه على معنى الآيات , ولا نسميه سجعاً ولا قافية . لانه يختلف عنهما عرفاً .
و( يراؤن ) وان لم تكن نهاية الآية إلا إن لها نسقاً مع ساهون وماعون . وهو نحو من النسق القرآني , إذا قرأت بالوقف عليها .
واما السياق فهو على قسمين :
القسم الأول : السياق المعنوي . وهو ما يسمى بوحدة السياق في علم الأصول . ويستدل بها بصفتها من القرائن المتصلة على المعنى .
القسم
الثاني : السياق اللفظي : أي جمال اللفظ القرآني وترتيبه بحيث نحزر كونه
مصداقاً للهجة القرآنية .فلو اختل واختلف خرج عن كونه قرآناً . كما لو حذف
الضمير المنفصل منها وهكذا .
سؤال : ما معنى الماعون ؟
جوابه إن فيه أطروحتين :
الأولى
: ما قاله في الميزان (1) : كل من يعين الغير في دفع حاجة من حوائج الحياة
.كالقرض تقرضه والمعروف تصنعه , ومتاع البت تعيره . أقول : فيكون بمعنى
المعين .
الثانية : الظرف من ظروف الطعام . وهو معنى نفهمه الآن بالتأكيد . ويمكن استصحابه بالاستطحاب القهقري إلى العصر اللغوي الأول .
إلا
أن هذا الاستصحاب إلى صدر الإسلام لا يتم . لانقطاعه بتفسير أهل اللغة ,
فلا يمكن حمل الآية عليه .ولعل استعمالنا لهذا المعنى مجازاً , ولو
باعتبار كثرة الإعارة له .ثم أصبح حقيقة , كما هو الآن وجداناً .
إن قلت : ان قضاء الحاجات سيكون : بما في الماعون . لا الماعون نفسه .
قلنا : أولاً : هذا فرع ان يراد بالماعون الضرف . وقد نفيناه .
ثانياً
: انه تلطيف في المجاز كقوله تعالى : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)(يوسف: من
الآية82) يعني أهلها . فكذلك تكون قضى الحاجة , بالماعون أي بما فيه .
سؤال : ما هو أصل كلمة الماعون ؟ لأن الظاهر انها كلمة أجنبية او دخيلة أو ( ملمعة ) بين العربي والأجنبي .
جوابه :على عدة أطروحات :
الأولى : ما موصولة . وعون مصدر أو صفة مشبهة . بمعنى ما أعين به الآخرون . أو من يكون عوناً للآخرين .
الثانية : ما المصدرية . ويكون المصل نفسه .
الثالثة : انه ملمع من لغتين , فتكون ما فارسية بمعنى نحن . فتكون بمعنى إعانتنا للآخرين .
................
(1) ج20 , ص 368 ,
تمت هذه السورة والحمد لله رب العالمين
والبقية تأتي إن شاء الله
مواضيع مماثلة
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الخامس ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء السادس ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء التاسع ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء العاشر ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الرابع ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء السادس ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء التاسع ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء العاشر ـ
» تفسير منة المنّان ـ الجزء الرابع ـ
موقع منتديات نور الزهراء الساطع :: الفئة الأولى :: في رحاب القرآن الكريم :: تفسير منّة المنّان في الدفاع عن القرآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى